• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الفاعليّة (Effectiveness)

د. ابن عيسى باطاهر

الفاعليّة (Effectiveness)

1-  الفاعلية في اللغة:

الأصل اللغوي للفاعلية هو الفعل "فعل" الذي مشتقاته "فاعل" و"فعّال"، والفاعلية مصدر صناعي، اختاره مجمع اللغة العربية بالقاهرة، للدلالة على وصف الفعل بالنشاط والاتقان.

ووَرَدَ في القرآن الكريم لفظ: "فعّال" في قوله تعالى: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (البروج/ 16)، وهو اسم من أسماء الله الحسنى يدل على أنّ ما يريده تعالى وما يفعله في غاية الكثرة، وصيغ من هذا الاسم مصدر آخر هو "الفعّالية" الذي كثيراً ما كان يستعمله المفكر الإسلامي المعروف "مالك بن نبي" في كتاباته.

ويبدو أنّ مصطلح "الفاعلية" هو الأكثر استخداماً وشيوعاً بين المثقفين، ولذلك اخترناه على غيره في هذه الدراسة.

 

2-  الفاعلية في الاصطلاح:

تقابل كلمة "الفاعلية" العربية كلمة (Efficancy) في المعاجم الغربية وهي تتحدد عندهم بكونها وصفاً لكلِّ شيء فعّال، وجاء في كتاب البحث التحليلي لأوروبا أنّ الروح – ويقصد بها الفاعلية – هي "ذلك الشعور القوي في الإنسان الذي تصدر عنه مخترعاته وتصوراته، وتبليغه لرسالته، وقدرته الخفية على إدراك الأشياء".

ويُعرّف مالك بن نبي الفاعلية بأنها: حركة الإنسان في صناعة التاريخ، قال – رحمه الله – "إذا تحرّك الإنسان تحرّك المجتمع والتاريخ، وإذا سَكَنَ سكن المجتمع والتاريخ، وهذا يضعني أمام مشكلة تَتَّصِفُ تحت عنوان الفعّالية".

والفاعلية عند "مالك" هي جزء من الثقافة التي يتصف بها الفرد والمجتمع، فعناصر الثقافة أربعة وهي: المبدأ الأخلاقي، والذوق الجمالي، والمنطق العملي، والتوجيه الفني أو الصناعة، وتشكل هذه العناصر السلوك الاجتماعي للفرد في المجتمع، والمنطق العملي هو الفاعلية في مستواها الفرد والجماعي يقول مالك بن نبي: "لسنا نعني بالمنطق العملي ذلك الشيء الذي دُوّنت أصوله ووضعت قواعده منذ أرسطو، وإنما نعني به كيفية ارتباط العمل بوسائله ومقاصده، وذلك حتى لا نستسهل أو نستصعب شيئاً دون مقياس، يستمِدُّ معاييره من الوسط الاجتماعي وما يشتمل من إمكانيات، وليس من الصعب على الفرد المسلم أن يصوغ مقياساً نظرياً يستخرج به نتائج من مقدمات محددة غير أنّه من النادر جدّاً أن يعرف المنطق العملي، أي استخراج ما يمكن من الفائدة من وسائل معينة ونظرة إلى ما حولنا تكفينا لكي نلاحظ أنّ ضروب نشاطنا غالباً ما تتّسم بالشلل وانعدام الفاعلية في الجانب الخاص والعام".

وارتباط الفاعلية بالثقافة هي حقيقة نشاهدها اليوم في البلاد المتحضرة حيث يُوجّه الفرد منذ نشأته الأولى إلى الاستفادة من وقته، واستثمار جميع الوسائل لاستخلاص الفائدة من الأشياء التي لها قيمة، حتى أصبح ذلك سلوكاً اجتماعياً يرتبط بجميع نشاطات الحياة.

المصدر: كتاب فاعلية المسلم المعاصر (رؤية في الواقع والطموح)

ارسال التعليق

Top